اليوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 7:46 مساءً
أخر تحديث : الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 - 7:02 مساءً

منير القادرى: ملتقى التصوف العالمى أصبح محطة أكاديمية رائدة

زايوتيفي – متابعة

قال الدكتور مولاي منير القادري بودشيش، مدير الملتقي العالمي للتصوف ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، خلال افتتاح فعاليات ملتقى التصوف العالمي في دورته التاسعة عشرة بالمغرب، إن الملتقى أضحى محطة أكاديمية رائدة في المجال الصوفي القيمي والأخلاقي خاصة، والشأن الإنساني عامة، لذا نجتمع لنتأمل في قضية مهمة تفرض نفسها على واقعنا المعاصر، وهى العلاقة بين التصوف والقيم الإنسانية في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وخاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي.

وتابع: هذه التكنولوجيا الحديثة تحمل في طياتها فرصًا كبيرة للابتكار خدمة للإنسان، لكنها أيضًا تثير تساؤلات حول مستقبل القيم والأخلاق. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا”** (الشمس: 7ء10). هذه الآيات تذكرنا بأن الإنسان مسئول عن تهذيب نفسه وتخليق حياته والارتقاء بها نحو معانى التقوى والإحسان. وهذا هو جوهر التصوف وموضوعه.
وفي الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ما رواه مسلم: “إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ” (رواه مسلم). هذا الحديث يؤكد أهمية النية والقلب في أعمالنا، وهو ما يركز عليه التصوف، الذي يهدف إلى تنقية القلوب من شوائب الدنيا، حتى يكون كل عمل الإنسان: أبحاثه، اختراعاته، وغير ذلك، غايتها خدمة أخيه الإنسان وجوهرها أنها خالصة لوجه الكريم.

وأوضح: وفي عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تؤثر التكنولوجيا على جوانب كثيرة من حياتنا، تصبح القيم الروحية والأخلاقية للتصوف أكثر أهمية، فالذكاء الاصطناعي، بالرغم من قدراته الهائلة، لا يمكن أن يعوض عن القيم الإنسانية والروحية التي تحكم أفعالنا ونوايانا.

يقول الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: “العلم بلا عمل جنون، والعمل بلا علم لا يكون”. هذه المقولة تعكس الحاجة إلى دمج المعرفة بالعمل الصالح، ومحاذاة مبادئ وأسس الذكاء الاصطناعي بالقيم الفُضلى ليصير آمنا، مساعدا على إحداث طفرة نوعية في حياة الإنسان، على غرار الثورات الكبرى والاختراعات الهامة التي غيرت معالم حضاراتنا في مختلف المجالات والميادين، كالطب والهندسة والفلاحة والمواصلات والإدارة وغيرها.

واستطرد: وفي السياق المعاصر، حذر العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ من مخاطر الذكاء الاصطناعي قائلًا: “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون إما أفضل أو أسوأ شيء يحدث للبشرية”. هذه الكلمات تدعونا إلى التأمل في كيفية استخدامنا هذه التكنولوجيا بما يضمن الحفاظ على القيم الإنسانية.

كما أشار إيلون ماسك إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطرًا وجوديًا إذا لم يتم التعامل معه بحذر، قائلًا: “نحن بحاجة إلى التأكد من أن تطوير الذكاء الاصطناعي يتم بحذر شديد”. وهذا يذكرنا بضرورة أن تكون قراراتنا مدفوعة بالقيم الأخلاقية والروحية.

هذا التوجه تعكسه توصية اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي “بتاريخ نوفمبر 2021″؛ لكونها إطارًا عالميًا ومتطورًا يهدف إلى توجيه الأفراد والمؤسسات والشركات لضمان أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسانية، مع منع الأضرار وضمان مراعاة الأخلاقيات في جميع مراحل دورة حياتها.

كما شدد بيل غيتس، الذي يعتبر من رواد التكنولوجيا في عصرنا، على أهمية القيم الأخلاقية في توجيه التقدم التكنولوجي، قائلًا: “التكنولوجيا بدون قيم أخلاقية قد تؤدي إلى كارثة”. هذه الفكرة تتفق مع المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى التوازن بين التقدم المادي والروحي.

ركيزة التصوف في العصر الحالي
وأكد “القادري”، أنه في ظل هذه التحولات التكنولوجية، يسهم التصوف كركيزة أساسية تهتم بالأخلاق وتزكية النفس في توجيه حسن استخدامنا للذكاء الاصطناعي.- حتى لا يفتقد هذا الإنسان هويته وقيمه- هذه القيم كالأخلاص والصدق والتضامن والمحبة، هي ما سيضمن للإنسانية أن يكون هذا التطور التكنولوجي في خدمتها وليس ضدها، وحتى لا يكون الإنسان تحت سيطرة الآلة ومكابحها.

لذا فإننا مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى قيمنا الروحية والأخلاقية، ولنتأكد من أن التكنولوجيا، مهما كانت متقدمة، تظل وسيلة لتحقيق الخير والعدالة والرحمة في هذا العالم.

ومن منطلق انشغالنا بكل ما يرتبط بالوجود البشري، وصناعة الإنسان في بعديه المادي والروحي، صناعة توازن واعتدال وفق النهج المحمدي القويم في ظل التصوف مقام الإحسان، كثابت من ثوابت الهوية الوطنية والدينية للمغاربة تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي ما فتئ يوجه إلى اعتماد المبادرات من أجل توجيه العمل الحكومي نحو إيلاء مجال التكنولوجيا المكانة التي يستحقها بإنشاء وزارة الإنتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خدمة للمواطن والصالح العام وهذا دليل على الرؤية المتبصرة لجلالته نصره الله، وبعده الاخلاقي لتسخير التقدم التكنلوجي لما فيه النفع العام وحسن التدبير والحكامة الناجعة.

ونغتنم هذه المناسبة للتنويه بالجهود المتميزة والمشرفة على المستوى الجهوي والوطني والدولي لعمالة إقليم بركان تحت إشراف السيد محمد علي حبوها، عامل صاحب الجلالة على هذا الإقليم، وذلك على حسن توظيف الرقمنة والذكاء الاصطناعي في خدمة الحكامة الترابية والمجالية وتحسين المردودية وحسن استثمار الموارد البشرية والكفاءات لصالح المواطن، حيث اصبحت مدينة بركان نموذجية ورائدة في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي ولقد حصلت على العديد من الجوائز الدولية في كل من رومانيا وكوريا الجنوبية وكينيا ضمن برنامج المدن الذكية programme des villes intelligentes وهذا ثمرة العمل الجاد والمستمر والحكامة الإيجابية والفعالة.

أوسمة :

أضـف تـعـلـيق 0 تـعـلـيـقـات